أمة اقرأ ...لماذا لا تقرأ ولماذا يعزف الأطفال عن الكتب؟!

نادي “أنيس” للقارىء الصغير...نموذج عربي يجسد “رواد الغد قراء اليوم”
غزة – لمراسل القدس - هل تعلم أن الإحصاءات تكشف عن أن الطفل الأميركي يقرأ نحو 6 دقائق في اليوم، بينما يقرأ الطفل العربي 7 دقائق في السنة؟ إنها مفارقة مرعبة لا تحتاج إلى التدليل على مخاطرها لأنها تتحدث عن نفسها و تظهر سبب تقدم أجيال في مقابل تراجع أجيال أخرى. وحسب تقرير منظمة اليونسكو للثقافة و العلوم تتراجع معدلات القراءة الحرة (الاطلاعية) بين صغار السن على نحو يعتبر مخيبا للآمال . ولعل أحد الأهداف الرئيسة التي طرحتها منظمة اليونسكو للاحتفال العالمي للكتاب، الذي يصادف يوم 23 نيسان هو تشجيع القراءة بين الناس، وخاصة الشباب. و أظهرت دراسة «عادات القراءة لدى الأميركيين» الصادرة عن المنظمة الوقفية للفنون (NEA)، أن الأطفال الأميركيين يشاهدون التلفاز يوميا لمدة ساعتين تقريبا، أضعاف مدة القراءة. لكن ماذا عن حال العرب في اليوم العالمي للكتاب؟ الأرقام تظهر هوة كبيرة بين العرب أجمع وأميركا، إذ يقدر ما يصدر في الوطن العربي من كتب جديدة بعدد خمسة آلاف كتاب بينما يصدر في أميركا ما يزيد عن290 ألف كتاب جديد سنوياً، بسبب «عدم وجود كتب مشجعة، وغياب ثقافة القراءة قبل النوم المنتشرة في العالم الغربي»، كما يقول ناشر دار اقرأ، جمال الدين سليمان في تصريح له لصحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة من لندن. ومن واقع خبرته التي تربو على عشرين عاما ومشاهداته السنوية في معظم معارض الكتب العربية، يرى سليمان أن الإقبال على كتاب الطفل «بدأ يلقى رواجا ملحوظا، لكنه يقتصر على الكتب الإبداعية التي تمتاز بموضوع جيد وعرض جذاب»، مضيفا أن السبب يكمن في ان «طبيعة الطفل تميل نحو الإخراج اللافت والموضوعات الشائقة» وهو ما يغيب عن العديد من الكتب الصادرة. .
القراءة تنمي المهارات ويرى د. مصطفى أبو سعد، أستاذ علم النفس التربوي، صاحب سلسلة من كتب تربية الأطفال، أن «القراءة قبل النوم مهمة، لأن الطفل لديه قدرة كبيرة جدا على التخيل، ولذا نجد الأطفال عندما نروي لهم قصة من كتاب خيالي فإنهم يندمجون ويستخدمون جميع حواسهم أثناء الاستماع إلى القصة ». ويعتقد د.أبو سعد أن «اصطحاب الوالدين إلى كتب القراءة الممتعة والمجلات إلى قاعات الانتظار عند مراجعة الطبيب أو أثناء السفر يشجع الأطفال على تقليد والديهم»، محذرا من أن إجبار الأطفال على القراءة يؤدي إلى نتائج عكسية “ولا يأتي بأجيال تحب القراءة”. ويعزو مؤلف كتاب «القراءة الذكية» المثقف الكويتي د. ساجد العبدلي سبب ابتعاد الصغار في السن عن القراءة إلى «المناهج التعليمية التي لا تحض على القراءة بل تركز على المادة العلمية فقط». ويقول:” أساليب تنمية مهارة القراءة في جميع المراحل لا تتغير حتى المرحلة الثانوية وتدعو إلى الملل وعزوف الطفل عن القراءة” مذكرا أن حضارة الأمم السابقة «انهارت عندما ابتعدت عن العلم والتعلم».
لماذا لا يقرأ العرب؟ وردا على السؤال المطروح: لماذا لا يقرأ العرب رغم ما لديهم من مخزون ثقافي يشجعهم على القراءة، إذ كانت أول كلمة نزلت من القرآن الكريم فعل الأمر الشهير «اقرأ»؟ قال د. العبدلي، “اللائمة تعود بداية على الوالدين اللذين لا يوفران في البيت ويتدرجان بالقراءة لأطفالهما، كتقديم الكتب المصورة التي تناسب اهتماماتهم، مثلا عن الشخصيات الكارتونية التي يحبونها»، محذرا من الأخطاء الشائعة عبر «إجبار الأطفال على قراءة ما لا يحبونه، كقراءة أمور دينية محضة لا تتناسب مع مداركهم». أما د. طارق السويدان مؤلف ثلاثية «صناعة الثقافة»؛ ومنها كتاب «الطفل القارئ»، فيقول :” إن أمة اقرأ لا تقرأ” مرجعا السبب الرئيس إلى عدم إلمام الوالدين بأهمية القراءة للأطفال، “فهي تنمي اللغة بقوة، وتهذب السلوك،وتوسع مدارك التفكير والمعرفة، كما أنها تساعد على حل المشكلات، وكسب خبرات الآخرين، واكتساب المهارات، وغرس القيم، فضلا عن متعة الإثارة، فخير جليس في الزمان كتاب». وفي ذات السياق أعرب د. إبراهيم الخليفي أستاذ علم النفس التربوي في جامعة الكويت، عن خيبة أمله من المدارس الحكومية العربية في تنمية عادات القراءة لدى الأطفال لأن “أمين المكتبة لا يمارس دوره الحقيقي في تهيئة البيئة الجاذبة للطفل في المكتبة كما يحدث في العالم الغربي”. وقال:” معظم أمناء المكتبات العربية ليسوا متخصصين في علم المكتبات، بل ربما لا يحبون القراءة أصلا!” لافتا إلى أن أمين المكتبة في المدارس الخاصة الناجحة يدرك ما يسمى بشجرة الكتب، والتي تعرض تصنيف الكتب وفق ما يتناسب بناؤها اللغوي مع عمر الطفل، حيث يختار أفضلها للطفل ويشجعه على الاطلاع بطرق إبداعية». وعن تصوره لحل الأزمة القائمة برى د. الخليفي أن شيئين يمكن أن يحدثا نقلة كبيرة جدا في حياة العرب من ناحية تنمية عادات القراءة وهما:«المدارس الخاصة والتجمعات الفكرية (الوطنية أو الدينية)، لأنهما بطبيعة الحال يحثان الأفراد على القراءة والتطور».
نموذج ثقافي وفي محاولة للخروج من مأزق عزوف الأجيال القادمة عن القراءة؛ التي تعد المنبع الأول للمعرفة، تسعى بعض الجهات العربية الفاعلة جاهدة للترويج للكتاب وتقريبه إلى نفوس الناشئة، ومنها «أنيس»، وهو نادٍ للقارئ الصغير أنشِئَ من قبل الصندوق الوقفي للثقافة والفكر في الأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت. وتقوم فكرة النادي على وضع صندوق جميل على منزل المشتركين الأطفال من سن 7 حتى 10 سنوات يشبه صندوق الصحف، يجد فيه كتابا جديدا يناسب عمره واهتماماته. ومنذ انطلاق المشروع، صار يلقى اهتماما كبيرا من قبل الأطفال، وهو الأول من نوعه في الوطن العربي، وفي حال تعميمه في 22 دولة عربية يتوقع المثقفون و المربون أن تتخرج أجيال ينطبق عليها الشعار الجميل للنادي: «رواد الغد قراء اليوم». ويرى البعض أن الحل لا يكمن في صرف الأطفال عن التلفزيون والفيديو والكومبيوتر وإنما في إيجاد التوازن بين الكتاب وهؤلاء المنافسين، مؤكدين على أن تحقيق هذا الهدف يستوجب أن يقدم الكتاب العربي بطريقة إبداعية جاذبة لعين الطفل وقلبه. اقرأ كي تتعلم و اقرأ كي تتثقف و اقرأ حتى تستطيع أن تقاوم عوامل و مظاهر التخلف لان في القراءة حياة للشعوب...فهلا أدركنا قيمة القراءة لأطفالنا و لأنفسنا؟!